22.05.2020

العنف ضد النساء في زمن الحجر الصحي بالجزائر

غالبا ما يكون الحجر تجربة صادمة ويصير أكثر صعوبة ومدعاة للقلق عندما نعيشه في ظل الوباء وما يترتب عنه من الأزمات المتعددة والخوف من المجهول. فما بالك إن طرأ هذا الحجر على نساء تعانين أصلا من العنف المنزلي وتجدن أنفسهن مجبرات على مواجهة جلادهن 24 ساعة على 24 ساعة؟

يتسبب الفضاء الضيق والبائس الذي يضم الزوجين والأطفال ووالدا الزوج وفي الكثير من الأحيان أخاه وأخته أيضا، في تفاقم الأمور لاسيما إن خسر الرجل عمله الذي كان يعيل به عائلته وغابت كل سبل العيش ولم يعد للأسرة من حل إلا الاعتماد على الإحسان والتضامن، فيصير المستقبل مظلما وتنعدم رؤية غد أفضل.

ضغوطات، خلافات، كلمة زائدة، شتيمة، بصقة، صراخ، عويل، صفعة، ضرب، خنق، طعنات سكين، قتل...

نعم، العنف يقتل!

يستفيد المعتدي من الحجر المنزلي بحكم أن الضحية معزولة والعزلة هي أول حلقة من دائرة العنف حيث أنها تسمح بالتحكم أكثر بالضحية وإخضاعها للعنف بعيدا عن الأنظار. كما تعتمد بنية العنف على إسكات المرأة الضحية وعلى حالة الذعر والضياع التي تعيشها. وكثيرا ما يزيد الحجر الصحي من الخطر المحدق بالمرأة بحكم انتمائها إلى الفئة المستضعفة في مجتمع راسخ في منظومته الأبوية. لذلك فمن المتوقع تسجيل ارتفاع ملموس في أعمال العنف التي يرتكبها الأزواج أو أعضاء آخرين من الأسرة ضد النساء أثناء الحجر الصحي في كل بقاع العالم.

الأرقام الغائبة

تدعو الأرقام المسجلة لحد الآن في عدة بلدان إلى القلق. حسب مصادر الأمم المتحدة شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا نسبته 20℅ في ظاهرة العنف ضد النساء، 75℅ بأستراليا، 37℅ بجنوب إفريقيا، 25℅ ببريطانيا، 32℅ بفرنسا، 38℅ بتركيا، 50℅ بالهند، الخ...

ماذا عن الجزائر؟ للأسف لا توجد هناك حاليا أرقام تسمح بتسجيل إحصائيات من شأنها تقييم الوضع وتهيئة الآليات اللازمة للحد من الظاهرة والتكفل بالضحايا. وكان من المفترض أن تتحلى السلطات المعنية بالإرادة السياسية القادرة على أخذ إجراءات إستعجالية لحماية النساء. لكن وبالرغم من أهمية الأرقام في إرساء سياسة فعالة للحد من ظاهرة العنف ضد النساء فإن معيشتهن وشهاداتهن تكفي للتبليغ عن خطورة الوضع. كما أننا نعرف جيدا أن النساء هن أولى ضحايا الأزمات، أيا كانت طبيعتها، وأن الحجر الصحي يضاعف الأضرار الناجمة عنها.

وتدعو الأرقام التي تنشرها مديرية الأمن الوطني ومصالح الدرك إلى القلق لاسيما أنها لا تعبر إلا عن الجزء المرئي من الظاهرة بما أنها محصورة على الشكاوى التي تقدمها الضحايا، بيد أننا نعرف جيدا أن الكثير من النساء اللواتي يعانين من العنف لا يجرأن على تقديم شكوى لأنهن يفتقدن للدعم بل ويسعى محيطهن إلى ردعهن، بما في ذلك رجال الشرطة أو الدرك الذين يذكرنهن بأن المعتدي أب أولادهن، ابنهن، أخوهن...

وقد كشفت الأرقام التي نشرتها مديرية الأمن الوطني أن سنة 2019 عرفت 7083 شكاوى في قضايا عنف ضد النساء وبينهم 5133 حالة عنف جسدي. وبالرغم من أن السلطات قامت بجهود لإصدار إحصائيات مبنية على الجنس ضرورية لوضع سياسة وطنية للحد من الظاهرة (نرجو ذلك)، إلا أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع. كما أننا لاحظنا أنه منذ سنة 2012، لم تعد هناك أرقام خاصة بجرائم القتل ضد النساء. لكن منشورا أصدره مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة، والمعنون "نساء في أرقام" كشف عن "39 جريمة قتل واعتداء وضرب عمدي أديا إلى الموت"، وهي كذلك أرقام لا تعكس الواقع.

تسعى اليوم مناضلات نسويات شابات إلى إحصاء جرائم القتل ضد النساء التي تنقلها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وقد وصل عدد الحالات حسبهن إلى 16 جريمة قتل منذ بداية 2020. ليست بحوزتنا أرقام خاصة بالوباء وإجراءات الحجر الصحي بل معلومات مشتتة حصدتها جمعيات حقوق المرأة والمناضلات النسويات. ويقوم هذا الجهد النضالي مقام جرس الإنذار.

أما الرقم الأخضر الخاص بوزارة التضامن فهو معطل دائما بالرغم من أن الحركة النسوية لم تكف عن المطالبة بإنشاء رقم مجاني في كل ولاية وذلك للسماح لضحايا العنف ضد المرأة بإيجاد الآذان الصاغية والاستفادة من الدعم والتوجيه والتأييد من قبل محترفات. كما تعجز مراكز الإيواء النادرة (5 مراكز على الصعيد الوطني) عن مساندة الضحايا لاسيما وأنه يتعسر الدخول إليها بسبب إجراءاتها الإدارية المعقدة، ناهيك عن أنها تستقبل النساء دون أطفالهن، وهذا هو العبث بعينه.

لقد ساعدت أزمة كوفيد-19 على الكشف عن كل هذه الآفات بشكل صارخ...

ضحايا العنف ضد النساء في زمن الحجر

شهدت معظم المدن الجزائرية فرض حظر التجوال الذي أيقظ أوجاع وصدمات العشرية السوداء. وتختلف أوقات هذا الحظر حسب الوضع الصحي في كل مدينة، ففي الجزائر مثلا تم حصره بين السابعة مساءا والسابعة صباحا ثم بين الثالثة والسابعة ثم بين الخامسة مساءا والسابعة صباحا.

ويعني ذلك أن الرجال أرغموا فجأة على التزام البيت وهو فضاء لم تكن أغلبيتهم تراوده إلا للأكل والنوم بصفته مكانا أنثويا بالدرجة الأولى حسب التقاليد. وأرغمت النساء بدورهن على مقاسمة رجال العائلة هذا الفضاء لقسط كبير من النهار وتوَلَّدَ عن هذا توترات وعنف يهدد سلامة النساء. لاسيما أن إمكانية اللجوء المؤقت إلى العائلة أو الصديقات لم تعد متاحة بسبب الإجراءات الصحية.

كما أنه يصعب على الضحية مغادرة البيت بحضور الجلاد الذي يراقبها باستمرار ويستحيل عليها لنفس الأسباب اللجوء إلى مركز الشرطة أو الدرك. وعلى صعيد آخر فإن تكريس المؤسسات الصحية لاستقبال مرضى الوباء والخوف من العدوى أدى بالنساء المعنفات للامتناع عن الذهاب لمصالح الطب الشرعي للحصول على شهادة "اعتداء وضرب عمدي". فانعدمت أمامهن سبل النجدة لاسيما وأن المصالح المعنية متوقفة أو معطلة بسبب الأزمة الصحية وأن كافة قضايا الطلاق والحضانة والمنحة الغذائية والقضايا الجنائية معلقة منذ أكثر من شهرين. ولم يستأنف مجلس القضاء نشاطه فيما يتعلق بالقضايا المدنية إلا منذ أيام قلائل...

مركز الاستماع: تجربة جمعوية

لقد قررت جمعيتنا "شبكة وسيلة" التي تتكفل بضحايا العنف ضد النساء، برفقة قلة من الجمعيات الأخرى، الإبقاء على مركز الاستماع ولذلك لدعم ومساعدة النساء المعنفات. تشتغل المتطوعات بهذا المركز (طبيبة نفسانية ومحامية) من بيتهما بالرغم من أن الحجر المنزلي يعقد المهمة. لكن المشكلة الكبرى تكمن في أن النساء لم يعدن يتصلن كالماضي لأنه يستحيل عليهن الكلام بحرية بحكم الوجود الدائم للرجل العنيف في المنزل. إحدى المستمعات أفادت لنا مثلا أن امرأة تذرعت بالخروج للتسوق لكي تستطيع الاتصال بالمركز ورواية محنتها. وغالبا ما تجبر المستمعات على لعب دور الصديقات حين يشعرن بأن الضحية غير قادرة على الكلام ومذعورة بسبب وجود جلادها بجانبها. وبغض النظر عن مشكلة الحجر الصحي فإن شهر رمضان يضع النساء في دوامة من الأشغال المنزلية إلى درجة تمنعهن من التفكير بأنفسهن فهن مجبرات على القيام على شؤون البيت ورعاية الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس والتكفل بالزوج وسائر العائلة الساكنين تحت سقف واحد. ويتولد عن هذا كله ضغط نفسي وعاطفي رهيب تزداد حدته في حال معاناة المرأة من العنف الزوجي أو الأسري.

ولاحظنا على مستوى الجمعية أن بداية الحجر الصحي لم تشهد زيادة في عدد الاتصالات بينما سجلنا، خلال الأسبوعين الأخيرين، ارتفاعا ملحوظا في المكالمات وأغلبها لضحايا العنف الأسري (حيث يكون المعتدي رجلا من العائلة وليس الزوج فحسب) كما لاحظنا زيادة في حالات النساء اللواتي يستعلمن عن حقوقهن فيما يخص الطلاق والحضانة والمنحة الغذائية، وأكثرهن نساء يعانين العنف منذ سنوات طويلة لكن الحجر الصحي قد يحفزهن لاتخاذ القرار وحماية أنفسهن وأطفالهن بالانفصال عن الزوج العنيف.

وتقول النساء اللواتي يعشن منذ سنوات في دوامة العنف هذه أن الرجال يتذرعون بالحجر الصحي لتبرير أفعالهم كما لاحظنا أن العديد من النساء يتصلن بمركز الاستماع للتبليغ عن حالات العنف ضد نساء أخريات من معارفهن.

بإمكاننا القول اليوم أن الحجر الصحي يكشف بوضوح عن طبيعة العلاقات الأسرية وحالة المجتمع بكل سلبياته بما فيها العنف ضد النساء، كما يشير إلى اللامساواة بين الجنسين وبين الطبقات. سوف تفضح نهاية الحجر للأسف الأضرار الوخيمة للعنف الزوجي والأسري...

###

لويزة آيت حمو، عضوة بشبكة وسيلة

مؤسسة فريدريش إيبرت
مكتب الجزائر

كولون فواغول, 21 شارع الإمام الغزالي
المرادية ,الجزائر العاصمة

71 36 47 23 213+
info(at)fes-algeria.org

أعضاء المكتب/الإتصال